تواضع أهل العلم ..
لا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر بما عنده، وقد قال القاضي الأديب الحسن الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص251:
أخبرني أبي، أن القاسم بن نصر المخرمي حدثهم، قال: سمعت علي بن المديني يقول: “قدمت الكوفة، فعنيت بحديث الأعمش، فجمعتها، فلما قدمت البصرة لقيت عبد الرحمن، فسلمت عليه، فقال: هات يا علي ما عندك، فقلت: ما أحد يفيدني عن الأعمش شيئاً!
قال: فغضب، فقال: هذا كلام أهل العلم، ومن يضبط العلم، ومن يحيط به؟!
مثلك يتكلم بهذا؟! أمعك شيء تكتب فيه؟ قلت: نعم.
قال: اكتب.
قلت: ذاكرني فلعله عندي!
قال: اكتب لست أملي عليك إلا ما ليس عندك.
قال: فأملى عليَّ ثلاثين حديثاً لم أسمع منها حديثاً!، ثم قال: لا تَعُدْ.
قلت: لا أعود، قال علي: فلما كان بعد سنة جاء سليمان إلى الباب، فقال: امض بنا إلى عبد الرحمن، حتى أفضحه اليوم في المناسك!
قال علي: ـ وكان سليمان من أعلم أصحابنا بالحج ـ قال: فذهبنا، فدخلنا عليه، فسلمنا، وجلسنا بين يديه، فقال: هاتا ما عندكما، وأظنك يا سليمان صاحب الخطبة.
قال: نعم، ما أحد يفيدنا في الحج شيئاً!، فأقبل عليه بمثل ما أقبل عليَّ، ثم قال:
يا سليمان، ما تقول في رجل قضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فوقع على أهله؟
فاندفع سليمان فروى “يتفرقان حيث اجتمعا ويجتمعان حيث تفرقا”..
قال اروِ، ومتى يجتمعان؟ ومتى يفترقان؟
قال: فسكت سليمان.
فقال: اكتب، وأقبل يلقي عليه المسائل، ويملي عليه، حتى كتبنا ثلاثين مسألة، في كل مسألة يروي الحديث، والحديثين، ويقول: سألت مالكاً، وسألت سفيان، وعبيد الله بن الحسن.
قال: فلما قمت، قال: لا تعد ثانياً تقول مثل ما قلت.
فقمنا، وخرجنا، قال فأقبل عليَّ سليمان، فقال: أيش خرج علينا من صلب مهدي هذا؟!
كأنه كان قاعداً معهم سمعت مالكاً، وسفيان، وعبيد الله!.اهـ”.